أخر الأخبار

الحماية القانونية للآثار

كتب سلام مكي: ما نمتلكه من مواقع أثرية وتراثية، يفوق ما تمتلكه عشرات الدول، ففي كل محافظة ومدينة وقضاء، ثمة بقايا مدينة كانت يوماً مركزاً حضارياً وفكرياً مشعاً.

 

من أقصى الجنوب إلى أقصى الشمال، تنتشر مواقع أثرية تعود لحقب زمنية مختلفة، بعضها ظاهر للعيان وشواهده شاخصة، والبعض الآخر ما زال مدفوناً تحت الأرض، لكنه بكل الأحوال مدرج في سجلات دوائر الآثار على أنه أراض أثرية.

لا نتحدث عن القيمة الثقافية والفكرية لتلك المواقع، لأننا سنحتاج إلى عشرات الصفحات، بل إلى كتب ومجلدات لذكر أهميتها، بل سنتحدث بشيء من الإيجاز عن بعض المواقع التي تبدو واضحة المعالم ومحاطة بأسوار ولو كانت بسيطة، لتحجبها عن المواقع الخالية من الآثار بحسب سجلات الآثار والتراث.

في محافظة بابل جنوب بغداد، ثمة مواقع أثرية كثيرة، تمتد على مساحات واسعة من أراضي المحافظة، ناهيك عن المدينة الأثرية المعروفة التي كانت يوماً ما مركزاً للعالم من جميع النواحي.

أما اليوم، فالكل يعرف ما تعانيه تلك البقعة التي يفترض أنها تنال من الاهتمام والعناية ما يجعلها أهم معلم سياحي وثقافي، لا لتكون محل فخر واعتزاز المدينة وأهلها، بل لتكون محل فخر للعراق كله.

ففي مدينة بابل الأثرية، ثمة كنوز مدفونة في باطن الأرض، وثمة قصص وحكايا وأساطير لم يعرفها أحد بعد، في بابل، ثمة ما ينبغي أن يخرج للعالم، حضارة كاملة، ما زالت سجينة الماضي، بالرغم من أنها لا تبتعد عن الحاضر إلا بضعة أمتار من التراب.

وعندما نعود إلى القانون، نجد أن المشرع العراقي، نص في المادة أولاً من القانون رقم /55/ لسنة (2022)، على أن المواقع الأثرية تعد من أهم الثروات الوطنية، فهي ثروة ثقافية وفكرية ومادية، أما المادة ثانياً، فنصت على أن السلطة الأثرية تتولى مسؤولية التنقيب عن الآثار، باستخدام الوسائل التقنية الحديثة، وكذلك صيانتها من التلف والضرر وإقامة المتاحف العصرية، لغرض عرض المكتشفات الأثرية على الجمهور لغرض اطلاعهم على الحضارة العراقية وما تحتويه من أثر وفكر.

أما المادة /29/ من القانون، فسمحت للسلطة الأثرية بالتنقيب عن الآثار في العراق، وسمحت لها بإجازة الهيئات العلمية والعلماء والجامعات والبعثات الأجنبية بالتنقيب وفقاً للقانون، بعد التأكد من كفاءتها العلمية والمالية.

هنا نجد أن التنقيب عن الآثار له سند من القانون، وهو من اختصاص سلطة الآثار حصرياً، لكن السؤال الذي يثار: لماذا نشاهد العشرات من المواقع الأثرية بلا تنقيب؟ لماذا لا نقرأ عن اكتشاف آثار هنا أو هناك بناءً على حملات تنقيبية للمواقع الأثرية؟ نعود إلى مدينة بابل، التي تفتقر وهي التي تطفو على بحر من الآثار، تفتقر إلى متحف يعرض آثارها التي يمكنها أن تمول عدة متاحف بالآثار المختلفة، والتي تعود إلى فترات زمنية مختلفة، ليست مدينة بابل فحسب، بل أغلب المواقع الأثرية، تحتاج إلى حملات للتنقيب عن الآثار، وفقاً للسياقات القانونية.

والكل يعلم ما أهمية التنقيب وما سيحققه من مردودات مالية ومعنوية كبيرة للبلد، فهو سيلفت الأنظار إلى الحضارة العراقية، وسيجذب السياح من مختلف دول العالم، وعندها يمكن أن نخلق المئات من فرص العمل، وسنعرف العالم بحضارة العراق، عبر عرض الشواهد المادية والاطلاع على ما كانت تخبئه الأرض من كنوز عظيمة لا تقدر بثمن.

صحيح أن التنقيب عن الآثار لا يحتاج إلى قرار سياسي، لأن القانون أجاز للسلطة المختصة بالآثار التنقيب بنفسها أو السماح للعلماء والجامعات والبعثات الأجنبية أن تتولى التنقيب تحت إشرافها ووفقاً للقانون، لكننا نحتاج كذلك إلى إرادة سياسية، تؤمن بأهمية الآثار وقيمتها العالية وما يمكن أن تحققه للبلد من مكتسبات لا عد لها ولا حصر.

يمكن أن نضيف مسألة الآثار إلى واجبات الحكومة المقبلة، لأن هذا الملف لا يقل أهمية عن باقي الملفات التي تنتظر تشكيل الحكومة القادمة لكي تعمل عليها، لأن ملف الآثار يرتبط بشكل كبير بملفات كثيرة، ويمكنه أن يكون نافذة كبيرة للدخول إلى اقتصاد عراقي قوي بعيداً عن الريعية.

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى