الدور السياسي للسياحة الداخليَّة

كتب عدالت عبد الله.. يبقى توحيد المجتمع دائمًا من الأهداف المستدامة والثابتة لكل دولة تُدرك أهمية الوحدة سياسيًا ومجتمعيًا، باعتبارها مصدرًا للاستقواء بالذات، وسبيلًا لمواجهة التحديات والأعداء.
وهذه العملية لا تأتي من فراغ، ولا تترسخ تلقائيًا، بل تستدعي إعداد برامج، ووضع خطط، ومشاريع تنشئة متعددة، قادرة على تشجيع اتجاه التفكير والسلوك لدى المواطن نحو جملة من الغايات، أبرزها: التأقلم، والتسامح، وقبول الاختلاف، وتعزيز قيم المواطنة، وتنمية روح المسؤولية تجاه الذات والآخر، ضمن الوطن الواحد.
وللفيلسوف الفرنسي الشهير جان جاك روسو(1712- 1778م) مقولة لافتة بهذا الصدد، مفادها: “ما يربطنا ببعض أقوى مما يفرقنا، فالوحدة الاجتماعية لا تقوم إلا على الإرادة العامة”.
وهذا يعني – في تأويلنا – أن هناك دائمًا ما يُفضل فكرة التوحد على ما يغذي التفرقة والتشرذم، وثمة ما هو كامن في أعماقنا يدفعنا إلى عدم الاستخفاف بقيمة التكاتف والتلاحم، لا لشيء سوى لأهداف أعمق وأشمل، قد لا تتحقق ما لم نكن على قناعة تامة بضرورة التغلب على نزعاتنا ومصالحنا الشخصية، والفئوية، والجهوية، والاتجاه نحو توحيد الطاقات والقدرات الممكنة، واستقطابها جميعًا لنيل ما نعجز عن تحقيقه منفردين أو في حالات التشتت والعزلة وإقصاء بعضنا لبعض.
كما يمكن تفسير مقولة روسو أيضًا بأنه يرى أن العقد الاجتماعي هو أساس وحدة المجتمع. ونحن نشارك هذا التفسير، ونعتقد أن العقد الاجتماعي يمثل المعيار الذي تستند إليه أي دولة قوية بمؤسساتها، ومجتمع قوي بأفراده الأحرار. فقوة الأمة الحقيقية، كما قال المهاتما غاندي(1869- 1948م)، “لا تُقاس بجيشها، بل بتماسك شعبها.” وإذا كان الشعب غير معني بأهداف توحده وتجمع قواه، فلن يدوم كشعب موحد، بل سيكون عبارة عن تكتلات بشرية مبعثرة لا غير.
انطلقتُ من هذه المقدمة لأُشيد بدور السياحة الداخلية في العراق كوسيلة لتوحيد أبناء الشعب العراقي، عبر الاختلاط الثقافي والاجتماعي، والتعرف على تفاصيل حياة المكونات المختلفة للمجتمع، والتي تشكل جميعها مصدرًا لقوة العراق وحضاراته المتنوعة. فالسياحة الداخلية، التي تجعل من البلد ساحة مفتوحة أمام أي مواطن، توسّع آفاق التفكير والتعامل بين أبناء الوطن الواحد، وتُعرّف الناس بعادات وتقاليد مختلف أطياف المجتمع في المحافظات والمناطق المختلفة، حيث تزدهر المصايف والمنتجعات أو الأماكن السياحية الجميلة التي تجذب العراقيين لزيارتها والاستمتاع بأجوائها وخدماتها وجمالها. بمعنى آخر، لهذا القطاع دور سياسي فعّال في دعم مشاريع توحيد المجتمع، من خلال ما يتيحه من انفتاح ثقافي واجتماعي بين فئات المجتمع على بعضها البعض، وهو دور يحدّ من وطأة روح المناطقية والطائفية والانغلاق القومي، خصوصًا حين نرى أبناء البصرة وبغداد يزورون منتجعات السليمانية وأربيل ودهوك، ويذهب أبناء كردستان إلى بغداد ومعالمها السياحية، أو إلى البصرة وكورنيشها، وملعبها الدولي، أو إلى أهوار الجنوب، أو بابل، وغيرها من المناطق العراقية.
وفوق هذا، يتحقق هدف آخر داعم، وهو أن السائح الداخلي يتعلم – ولو بشكل بسيط – لهجات أو لغات محلية جديدة، ويتبادل الأفكار والأحاديث مع أبناء وطنه، ويزداد معرفةً بهم.
بعبارة أخرى، إن قطاع السياحة الداخلية يمثل مشروعًا مهمًا لتوحيد المجتمع بشكل أكبر، إذا ما تعاملت الدولة معه ضمن مشروع موجَّه يهدف إلى تعزيز الاختلاط وتبادل الرحلات الثقافية، ووضع برامج تدعم رغبة المواطن في التعرف على كل مناطق العراق، أو معظمها على الأقل.
صحيح أن القطاع الخاص في العراق يلعب دورًا إيجابيًا في هذا المجال، حتى وإن كان الدافع الأساسي هو الربح والتجارة، إلا أنه يمكن للدولة أن تضطلع بدور محوري في تنظيم السياحة في العراق بشكل أفضل، من خلال تعديل القوانين التي تنظم هذا القطاع، وجعله يخدم أهدافًا سياسية واستراتيجية داعمة لوحدة الدولة والمجتمع.