أخر الأخبار

المرجع اليعقوبي: المشاركة في الانتخابات لاختيار القيادة الصالحة استحقاق إنساني ووطني وواجب شرعي

أصدر سماحة المرجع الديني آية الله العظمى الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله)، اليوم الخميس، بياناً أكد فيه أن المشاركة في الانتخابات لاختيار القيادة الصالحة: استحقاق إنساني ووطني وواجب شرعي.

 

وقال سماحتُهُ، في بيان تلقى “العراق أولاً” نسخة منه، إنه “كلما اقتربنا من العملية الانتخابية يكثر السؤال حول لزوم المشاركة في الانتخابات، وهل يجب علينا ذلك أم لا، وإذا أردنا قراءة ما بين السطور لهذا السؤال فإنّه يعبّر عن الشعور بالإحباط لدى المواطن والامتعاض من أداء الكتل السياسية الحاكمة، وفشلها في تحقيق تطلّعات المواطنين، وتقديم الخدمات لهم وتوفير الأمن والرفاه والكرامة والازدهار ولو بالحد الأدنى منها”، مضيفاً “وإلاّ لو كان الأداء مقنعاً ومقبولاً، لاندفع المواطن إلى الإدلاء بصوته ليديم هذه الحالة الإيجابية، ولا مبرّر حينئذٍ لهذا السؤال”.

وبيّن: “وجواب السؤال باختصار إنّ المشاركة في الانتخابات لاختيار القيادة الصالحة للأمة استحقاق إنساني ووطني وواجب شرعي.

أما كونها استحقاقاً، فمن جهتين:

1- الإنسانية: فإنّ أثمن ما وهب الله تعالى للإنسان هو حقّ الحرية بكل مواردها، حرية الاعتقاد، حرية السلوك، حرية التعبير عن الرأي، حرية الاختيار، ومنها حرية اختيار من نفوضه في إدارة شؤوننا وولاية أمورنا وحفظ النظام الاجتماعي العام ونحو ذلك، وهذا الحق ثبّته الله تعالى في القرآن الكريم (وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ) (البلد/10) (لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ) (الأنفال/42) (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) (البقرة/256) وفي الأحاديث الشريفة التي مضمونها (ما لكم استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً).

2- المواطنة: فإنّ كلّ مواطنٍ يحمل جنسية البلد يبلغ السن القانوني يكون من حقّه المشاركة في الانتخابات، ففي هذه المشاركة إثبات للمواطنة وإعلان للانتماء والهوية الوطنية، لذلك تجد الفرحة والزهو في وجوه العراقيين المغتربين أكثر عند الإدلاء بأصواتهم، لأنّ هذه الفعّالية تمثّل لهم فرصة للإحساس بمواطنتهم وهويتهم وعراقيتهم، وكذلك يوجد نفس الإحساس لدى الذين يدلون بأصواتهم لأوّل مرة لبلوغهم السن القانوني، لأنهم يشعرون باكتمال شخصيتهم وهويتهم”.

وأوضح المرجع اليعقوبي، “فالمشاركة في الانتخابات استحقاق إنساني ووطني، ونحن نعلم أنّ استيفاء الحقّ والأخذ به شيء يستحسنه العقلاء ويستقبحون إهماله وتضييعه والتفريط به، كما لو كان من حقّ المواطن تملّك دار سكنيّة أو منحة مالية أو امتيازات أخرى فلم يسعَ لتحصيلها، فإنّه يستقبح فعله ويستهجن لدى العقلاء”.

وأكمل: “كيف والحق عظيم وهو حرية اختيار من يدير شؤون البلاد ويلي أمور العباد وتجري على يديه مصالح الناس وأمنهم وأرزاقهم وحقوقهم العامة، وتحصيل هذا الحقّ من أهم ما تسعى إليه الشعوب وتقوم بالثورات العارمة وتقدّم آلاف وملايين الضحايا على مدى التأريخ من أجل انتزاع هذا الحق الذي يسلبه الطواغيت والفراعنة والمستبدون، ويعطون لأنفسهم تفويضاً إلهياً للتفرد بالسلطة والحكم، فالعقلاء لا يرضون بتفويت هذا الحق وإهماله وقد اُتيحت الفرصة لممارسته بلا مؤونة”.

وأردف سماحته، قائلاً: “وأما كون المشاركة واجباً فلعدة وجوه:

1- الحديث النبوي الشريف المشهور لدى الفريقين (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه ليس وراء ذلك شيء من الإيمان)([1])، وقد شخّص كلّ مواطن عراقي المفاسد والمظالم والتقصيرات التي تُرتكب في العملية السياسية والتي يدفع ثمنها المواطن العراقي من أمنه وصحّته ورزقه ومستقبله، فلابد من قيام الكل بواجبهم في التغيير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لأنّ التغيير باليد مستطاع اليوم من خلال الإدلاء بالصوت ولا نحتاج إلى التغيير بالقوة والعنف كما كان رأي بعض العلماء الاعلام من قبل.

2- قوله تعالى (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ) (البقرة/143) فمن خصائص هذه الأمة وتكاليفها أن تكون أمة شاهدة فتشير إلى هذا الفعل بأنّه حسن يجب القيام به، وإلى ذاك الفعل بأنّه قبيح يجب اجتنابه، وتشهد على هذا الشخص بأنّه صالح مؤهل لوضعه في الموقع المناسب، وذاك الشخص سيء لا يجوز له التصدي لشيء من أمور الأمة.

وأداء هذه الشهادة واجب على الأمة و {وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} [البقرة : 283] وهي ليست كأي شهادة واجبة أخرى في قضايا الناس ودعاواهم، لأنّها تتعلق بحقوق الأمة، قال أمير المؤمنين (أفظع الخيانة خيانة الأمة)([2])، فإذا تقاعست الأمة ولم تدلي بشهادتها للمؤهلين لقيادة البلاد فإنها تفسح المجال للمفسدين أن يعودوا إلى مواقعهم، والخيانة الأفظع والأسوأ أن يجدد إعطاء صوته ويمنح الثقة لنفس الذي ظلموه وغصبوه حقوقه وسرقوا ثرواته، ولم يرَ منهم خيراً إلاّ الصراعات، وكان المواطن يقول سأقطع إصبعي الملوّن بالبنفسجي لما يرى من مفاسدهم ومظالمهم ولا مبالاتهم، ثم يعود فينتخبهم فهذه شهادة زور على خلاف الواقع، ويحاسب صاحبها ولعله يكون مشمولاً بعقوبة شاهد الزور والعياذ بالله تعالى.

3- ما ذهب إليه مشهور علماء الإمامية من وجوب نصرة الأمة للفقيه الجامع للشرائط القائل بالولاية حتى يمكّن له في الأرض ويفعّل ولايته ويقيم شرع الله تعالى بمقدار ما يتيسّر له أي لتحقيق الآية الشريفة (الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ) (الحج/41) ونصرته تكون بنصرة أتباعه الذين يعملون بتوجيهاته وينفذون مشاريعه على ارض الواقع، ولهذا المطلب تفصيل تعرضنا له مفصلاً في بحث الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إن شاء الله تعالى.

4- السيرة العقلائية البالغة حد الضرورة الاجتماعية بحسب تعبير أمير المؤمنين (ع) بقوله: (لابد للناس من أمير برٍ أو فاجر يعمل في أمرته المؤمن ويستمتع فيها الكافر، ويبلغ الله فيها الآجال، ويجمع به الفيء ويقاتل به العدو وتؤمن به السبل ويؤخذ به للضعيف من القوي حتى يستريح بر ويستراح من فاجر).([3])

فاختيار السلطة التي تتولى إدارة الحكم في البلاد ضرورة عقلائية، ولابد من المشاركة فيها لضمان وصول الصالحين النزيهين الكفوئين الذين يستحقون منح الثقة بهم في هذا المجال وتبرأ الذمة بانتخابهم”.

ونوه، إلى أنه “ولكن لا يكفي التحري والبحث عن المرشح الذي تتوفر فيه الشروط المذكورة، بل لابد من توفرها في القائمة أيضاً المتمثلة برئيس الكيان أو الكتلة وبرنامجها وسلوكها في العملية السياسية، لأنّ المرشّح قد يكون مؤهلاً إلا أنه في قائمة ليست كذلك، وحينئذ إن فاز بمقعد في البرلمان فإنّ وجوده سيذوب في وجود الكتلة ومواقفها، لأنّنا نعلم أن القرارات يديرها رؤساء الكتل في ما يسمونه بالمطبخ السياسي، أمّا الأعضاء فليس لهم إلاّ التصويت ولا تأثير للأصوات المستقلة”، مردفاً بالقول:”وإن لم يفز فإنّ أصواته ستذهب لمرشحين آخرين في نفس القائمة، وسيكون المصوّتون لهذا المرشّح مشاركين في تمكين المرشّح الآخر، ويتحملون مسؤولية فساده وظلمه”.

وأشار، إلى أنه “يوجد شرط آخر وهو وجود راعي وضامن للكتلة يكون مسؤولاً عنها ويحاسب على تصرفاتها ويستطيع الناس الوصول إليه ولا يحتاجون إلى طرق بابه، لأنِّ بابه وقلبه مفتوح لهم ليؤدي التزاماته أمامهم ويجدون عنده القلب الكبير والتواضع وحسن الإنصات لهم، والتفاعل مع همومهم وآلامهم وتطلّعاتهم، إذ ليس من الإنصاف أن تلتزم الأمة بالتصويت للمرشحين ولا يوجد من يضمن لهم التزام المرشّح أمامهم بالبرامج والوعود، روي عن الإمام الصادق (ع) قوله (ما قُدِّست أمة لم يؤخذ لضعيفها من قويّها غير مُتَعتَع) ([4]) فلا بد من مراعاة وجود من ينتصر للمظلوم وينتصف له”.

ولفت سماحته، إلى أنه “وفي النظام السياسي المعتمد حالياً في البلاد فإن الضامن الكبير هو المرجع الديني الجامع لشروط ولاية الفقيه من الاجتهاد والعدالة والخبرة بشؤون الناس والتفاني في العمل لإعلاء كلمة الله تعالى، والنهوض بواقع الأمة والعالم بالظروف والملابسات، ويمتلك الكياسة والفطنة حتى لا تهجم عليه اللوابس وأن يتصرف بحكمة ونحو ذلك”.

وتابع، “فالولي أمور الأمة والمرجع الجامع لشروط القيادة ليس جزءاً من السلطة التنفيذية في الدولة، ولا هو رئيس كيان سياسي وإنما هو الراعي لها كما يرعى كل المشاريع الإصلاحية في الأمة سواء كانت دينية أو اجتماعية أو أخلاقية أو ثقافية، وما هو أوسع من ذلك؛ لأنّ موقع المرجعية ووظائف المرجع أوسع من العمل السياسي بكثير بسعة متطلبات المشروع الإسلامي الذي يجب أن يقود الأمة”.

وذكر المرجع اليعقوبي، “ويمكن تلخيص بعض مسؤولياته تجاه العملية السياسية بنقاط:

1- ترشيد عمل السياسيين وتسديدهم على طبق القوانين الإسلامية وتقديم الأفكار والمشاريع التي تحقق الأغراض المرجوة.

2- تصحيح الأخطاء والانحرافات ومعالجتها بحزم.

3- غربلة المرشحين لمواقع الإدارة والسلطة وتأييد الصالح منهم.

4- إعطاء الشرعية للقوانين والمصادقة على نتائج الفعاليات لتكون شرعية.

5- الاحتكام اليه اذا اُشكلت الامور وأعيتهم الحيل والتدابير”.

وأضاف، قائلاً: “فلابد أن تمتلك المرجعية الدينية من الشعور بالمسؤولية والشجاعة وقوة القلب ما يكفيها لتحمل المسؤولية وإرشاد الناس لما فيه صلاحهم، أمّا دفع الناس إلى الانتخابات من دون الإشارة إلى البديل الصالح فهذا مكر بهم وظلم لهم إذ أنهم يؤدّون ما عليهم ويدلون بأصواتهم استجابة لنداء المرجعية من دون أن تعطيهم الالتزام المقابل والضمان بل تتنصّل من المسؤولية وتلقيها عليهم وتقول لهم أنّهم لم يحسنوا التصويت”، مستدركاً بالقول: “وإن شرائح كثيرة من الشعب لا تمتلك الرؤية الناضجة والتحليل الدقيق إزاء هذه القضايا المعقدة، لانشغالهم بمعيشتهم وهمومهم اليومية والأزمات المحيطة بهم من كل جانب، فالشعب عليه الغرم بلا غُنم وزعماؤه لهم الغُنم بلا غرم و(تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَى) (النجم/22) ومخالفة للقاعدة العقلائية (من كان له الغنم فعليه الغُرم)”.

وختم سماحته، بالقول: “ونحن لا ندعي أن المرجعية قادرة على حل كل المشاكل ومعالجة كل المفاسد وتحقيق كل المطالب فهذا فوق الطاقة، ولكن المطلوب منها أن تبذل وسعها في أداء وظائفها والباقي على الله تعالى، وهذا يشبه المسؤولية عن الأهل، ففي الرواية عن الإمام الصادق (ع) (لما نزلت هذه الآية {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} [التحريم : 6] جلس رجل من المؤمنين يبكي وقال أنا عجزت عن نفسي وكُلِّفتُ أهلي، فقال رسول الله (2): حسبك أن تأمرهم بما تأمر به نفسك وتنهاهم عما تنهى عنه نفسك([5])”.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
([1]) راجع كتاب ( أسمى الفرائض وأشرفها لسماحة الشيخ اليعقوبي، صفحة 390 )

([2]) نهج البلاغة: ج3 ص27.

([3]) نهج البلاغة، الخطبة 40.

([4]) وسائل الشيعة، كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أبواب الأمر والنهي وما يناسبهما، باب 1، ح 4.

([5]) الكافي، البرهان في تفسير القران

 

زر الذهاب إلى الأعلى