أخر الأخبار

أوكرانيا حقل اختبار للعلاقة بين أوروبا والولايات المتحدة

كتب عامر الموسوي.. في ألمانيا يزداد النقاش السياسي حول موقع أوروبا بعد نهاية مفترضة للحرب في أوكرانيا، ألمانيا التي تعتبر ثاني اكبر ممول لهذه الحرب بعد الولايات المتحدة الاميركية، حيث تُنبئ نهاية الحرب بتغييرات في الساحة السياسية في المانيا وأوروبا على حد سواء.

ووسط تعنت روسي بشروط وقف الحرب، وحماس اميركي لوقف سريع لها على حساب أوروبا، تطالب أحزاب المعارضة بضرورة عودة استيراد المانيا للطاقة من روسيا مثلما دعت اليس فايدل زعيمة حزب البديل من أجل المانيا المعارض في جلسة البرلمان الالماني مؤخرا بوجود اعضاء الحكومة ورئيسها المستشار فريدريش ميرتس.

“حمدا لله لدينا فرصة حقيقية عبر الرئيس ترامب للوصول لسلام لم تشاركوا فيه اطلاقا” وفق فايدل.

إن المراقب للشأن الأوروبي وتطوراته السياسية، لا يحتاج للكثير من الوقت كي يدرك حجم التغييرات السياسية التي طرأت وتطرأ على البيت الداخلي الأوروبي منذ بداية الحرب في أوكرانيا وليومنا هذا، فتخلي الولايات المتحدة بعهد ترامب وقبله بطريقة خجلة في عهد بايدن، يؤشر لصحة تحليل الكرملين القاضي بأن أفول عصر الناتو بداء بالاضمحلال أو بأقل قدر، بالتراجع الحاسم عن صلب مبدئه الصلب المنصوص عليه بالفقرة الخامسة من ميثاق الحلف العسكري، الذي يقضي بأن يقف الحلفاء عسكريا في حال تعرض عضو لخطر داهم.

وهو تحليل يعتقد خبراء في الغرب بأن روسيا ستقوم باختبار مدى قوته وثباته في تعرض مفترض في الجبهة الشمالية في دول بحر البلطيق الثلاث لاتفيا، استونيا، لتوانيا، الأعضاء بحلف الناتو قبل نهاية عقدنا هذا.

لقد شكلت هذه التهديدات مصدر قلق أوروبي، كون القارة العجوز لم تستثمر طيلة العقود الماضية في قدراتها العسكرية على نحو يسمح لها بالدفاع عن أمنها، معتمدة على تواجد أكثر من سبعين ألف جندي أميركي في قواعد منتشرة داخل أوروبا في قوة ردع، لطالما أكسبت الولايات المتحدة مركزا متقدما في منظومة الدفاع الأوروبي.

إن مطالب ترامب برفع مساهمات دول أوروبا لميزانياتها العسكرية في الناتو والهجوم الروسي في أوكرانيا، قد جعلا الاوروبيين يصحون من سبات عميق، لكن لغة الطبقة السياسية الحاكمة في عواصم أوروبا، لا تزال تستخدم ذات العبارات والمطالب التقليدية المرتبطة بالسنوات الماضية حين كانت أميركا قلبا وقالبا مع الاوروبيين، لكن الحال هذا قد تغيير، ووصل الامر لجعل ترامب يهدد الاوروبيين ولو بطريقة غير مباشرة، ادفعوا والا واجهوا مصيركم امام بوتين، ولو إن خبيرا استراتيجيا قبل سنوات كان قد قال ان هذا السيناريو سيحدث، فلربما كان قد وصف بالجنون، لكن هذا الجنون اصبح لغة التواصل بين طرفي الأطلسي.

إن قيام قوة اقتصادية كبيرة مثل المانيا بالعقود الخمس الماضية كان قد ارتكز على عنصرين مهمين، الأول هو التفوق التكنولوجي بالصناعة، وهذا بدا بالتراجع مؤخرا امام الصين الصاعدة التي أصبحت مورداً فاعلاً للتقنيات الحديثة، ولم تعد المانيا لوحدها المحتكرة للتكنلوجيا المتقدمة، اما العنصر الاخر هو استفادة الاقتصاد الألماني من واردات الطاقة الرخيصة القادمة من روسيا، والتي تراجعت بشكل كبير بعد بداية الحرب في أوكرانيا.

إن الأزمة التي تعيشها المانيا ومن خلفها دول الاتحاد الأوروبي، ستتعزز في ضوء نهاية للحرب في أوكرانيا، سيقطف فيها الروس غنائمهم منها بينما سيبقي للأوروبيين خسائرهم التي تكبدوها من خلال فقدانهم مصادر الطاقة وتكلفة دعم أوكرانيا، والاهم من ذلك فقدانهم الموقف الاستراتيجي بتغيير مسار الاحداث مُسلِّمين أمرهم لسيد البيت الأبيض، ليقرر ما الذي سيؤول إليه أمر أوروبا بعد الاتفاق مع بوتين بعيدا عن الأوروبيين.

لقد بدأت تغييرات سياسية تطرأ في عقر دار الاوروبيين وعواصمهم كافة، ومنها صعود أحزاب اليمين غير الودودة امام فكرة الاتحاد الأوروبي، والتي تطالب بالتقوقع داخل دولها وتهميش دور الاتحاد، لا بل حتى للخروج منه مثلما حصل في انتخابات جمهورية التشيك ورومانيا وسلوفاكيا والمجر التي قام رئيسها فكتور أوربان وبشكل استعراضي بزيارة موسكو ولقاء بوتين وفتح ملف توريد الطاقة، مجددا بالضد من الموقف المتخذ في اخر قمة لرؤساء حكومات دول الاتحاد الأوروبي الـ ٢٧، التي عقدت في بروكسل، والقاضي بالوصول إلى وقف كامل لإمدادات الطاقة من روسيا ،عقابا لها على غزوها أوكرانيا وتعنت بوتين لإنهاء الحرب.

إن التصريح الملفت لزعيمة حزب البديل من أجل المانيا اليس فايدل في البرلمان الألماني، مخاطبة به حكومة المانيا، والذي قالت فيه إن “علينا شراء الغاز والنفط من ارخص المنافذ ألا وهو روسيا، ويصب هذا بمصلحتنا القومية وهذا ما تريده أميركا، التي تعرف مصلحتها الوطنية تلك المصلحة، التي تخليتم عنها هنا في المانيا” هو اشارة اكثر من واضحة على تبدل أحوال الطبقة السياسية التقليدية الحاكمة ومنها تبدل المزاج العام امام قرع طبول الحرب وحمى التسلح في العواصم الاوروبية، فتقديرات استطلاعات الراي الأخير تشير إلى تصاعد أصوات هذا الحزب، ليكون في تقديرات اكثر تفاؤلا الأول بعدد أصوات الناخبين.

وربما سيفشل الائتلاف الحكومي في برلين بالتصويت لأي قانون ما يطرح في البرلمان، ليتوج تقديرات الكرملين القاضية بان الاستمرار بالحرب سيضغط على الشارع الأوروبي ويحدث تغييرات جذرية تصب بصالح موسكو وشراكتها المتجددة مع سيد البيت الأبيض ترامب، ويضع أوروبا امام اختبار صعب في عالم متعدد الاقطاب تتغير معالمه وترسم خطوطه من جديد.

 

زر الذهاب إلى الأعلى