مشعل الطريق إلى بناء الدولة الحقة

كتب عامر حسن فياض.. لم تتشكل الدول الوطنية على وفق أمنية أو رغبة أو نزوة أو صدفة، بل التشكيل يتمثل بفكر وفعل في طريق وعر ومظلم لا يمكن قطع مساره لغير من لا يملك إرادة ويحمل مشعل الوطنية ينيره. وهذه الإرادة إنسانية الطبع عاقلة المخ تجيد استحضار المستلزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، لبناء الدولة والتعامل معها بالتكييف معها إن وجدت والخلق لها إن لم تكن موجودة.. اما المشعل فانه يتمثل بالوطنية.
إن تجارب تشكيل الدولة الوطنية الحديثة تؤكد ما نذهب اليه حيث اضطلع مشعل الوطنية بدور واسع وتدريجي وتراكمي في الحياة السياسية (تصفية الجهوية الاقطاعية)، وفي الحياة الاقتصادية (خلق السوق الوطنية الموحدة- إصدار التشريعات الضريبية الموحدة- اتباع السياسة الحمائية الوطنية- تشجيع التجارة والصناعة الوطنيتين)، لتغزو القوة المجتمعية السياسية الرئيسة وتنظيماتها متمثلة بالفئات الوسطى.
وقد نشأت في إطار مؤسسات هذه الدولة الوطنية وتنظيماتها في ذلك العصر مجالس عامة، إلى جانب مؤسسة السلطة ومجالها بعد أن باتت المجالس العامة تتمتع بطابع تمثيلي يمثل فئات الشعب وتوسعت تدريجيا اختصاصاتها، لتبدأ من العام 1484م بتقديم الرأي واقتراح المشاريع المتعلقة بولاية العهد وتنظيم الدولة والتصويت على الضرائب ودورية انعقاد المجالس وغيرها. ووجدت أيضا البرلمانات إلى جانب المجالس العامة ثم تطورت التنظيمات والمؤسسات السياسية البيروقراطية للدولة الوطنية الامر الذي كشف عن نزوع واضح لتكوين هذه الدولة بشكل افضل، عندما بدأ مفهوم (الشأن العام) يحل ويشيع في جميع المجالات ليتوارى ويتراجع كل مفهوم (الشأن الخاص) المرتبط بشخص أو بسلطة فرد (ملك- امير- امبراطور- والي-الخ). ويعد قيام الجيش الوطني مصداقا لهذه الحقيقة وكذلك الحال بالنسبة لمبدأ فرض الضريبة العامة على المواطنين وتأكيد هيمنة الدولة عسكريا واقتصاديا على اقاليمها جميعا.
عليه فأن العوامل التي خلقت الظروف المناسبة لنشأة وتطور المستوى السياسي للظاهرة الوطنية والحداثة تتلخص في:
1ـ الثورة الاقتصادية التجارية ثم الصناعية وصعود الطبقة الوسطى إلى مركز الصدارة في المجتمع .
2ـ ظهور السلطة المركزية وتراجع سلطة الجهويات الاقطاعية.
3ـ انتصار السلطة السياسية الزمنية على السلطة الكنسية.
4 ـ انتصار الفكر العقلاني وحركة التنوير.
وبتأثير هذه العوامل ونتائجها المجتمعة والمتفاعلة مر المستوى السياسي للوطنية بأكثر من مرحلة كان مشعل الوطنية دليلا يقود تحقيقه مرحلة بعد أخرى. ففي المرحلة الأولى (القرون 13- 17) استطاع مشعل الوطنية تفكيك الامبراطوريتين الرومانيتين القديمتين الشرقية والغربية. وفي المرحلة الثانية (القرنين 18- 19) قاد مشعل الوطنية الثورات خارج القارة الاوروبية المطالبة بالاستقلال الوطني من السلطة الاستعمارية البريطانية معلنة حقها في إقامة دولة مستقلة ذات سيادة لتأتي الثورة الفرنسية، التي اسقطت الحق الإلهي للملوك واقامت دولة جديدة على أساس الفكرة الوطنية ومبادئ الحرية والديمقراطية والسيادة الشعبية.
وفي المرحلة الثالثة (1850- 1900م) قاد مشعل الوطنية انتشار نظرية الحقوق السياسية بما فيها حق تقرير المصير وحق إقامة الدولة وحق السيادة للأمة فأصبحت الدعوة الوطنية أساسا لحركات التحرر والاستقلال الوطني. اما المرحلة الرابعة (1900-2000م) فقد قاد مشعل الوطنية نشر الوطنية بين أمم العالم اجمع.
ورغم العقبات التي حاولت ولا تزال تحاول قوى الغرب وضعها في طريق بناء الدول الوطنية في عالم الجنوب فإن مشعل الوطنية سيظل المشعل الوحيد الذي لا ينطفئ لينير طريق الشعوب في تشكيل دولها الوطنية
المستقلة.
فمتى يضيء مشعل الوطنية في عقول وإرادات الساسة لبناء دولة العراق الوطنية الحقة؟.




