في بيتنا بندقية

كتب صادق كاظم.. هناك أكثر من 10 ملايين قطعة سلاح مختلفة لدى المواطنين وبمعدل يصل إلى قطعة سلاح لكل ثلاثة مواطنين وهو معدل مرتفع جدا عالميا وبمعايير الأمن فان ذلك يعني ارتفاع معدلات العنف والنزاعات، خصوصا عندما يكون هذا السلاح بأيدي تميل إلى العنف في تعاملاتها مع الاخرين، ولعل الارتفاع المتزايد في جرائم القتل وبعضها يكون لأسباب تافهة أحيانا خير مثال على خطورة وقوع السلاح بأيدي العابثين بالامن والأرواح، حين يتخذون منه وسيلة للسيطرة وتحدي الامن والدولة والقانون.
حصر السلاح غير القانوني بيد الدولة مهمة قامت بها الحكومة ولعدة مرات، إلا أنها لم تكن كافية للقضاء على هذه الظاهرة بشكل نهائي لاسباب عديدة، منها السلوكيات الاجتماعية والموروث البدوي الضارب في عمق الوعي الجمعي للأفراد والذي يعطي للسلاح اهمية كبيرة ووسيلة للتعامل مع الاخرين بعيدا عن أي اعتبارات للقانون والقضاء كوسيلة حضارية لفض المنازعات، فضلا عن وجود بؤر للتوتر والنزاعات والخلافات العشائرية، التي تتجدد بين الحين والاخر والتي تستخدم فيها كميات كبيرة من الاسلحة وتتسبب بخسائر بشرية واقتصادية لا مبرر لها.
صحيح أن الاجهزة الامنية استطاعت وبحكم خبرتها الميدانية والقتالية من تطويق تلك النزاعات وعدم السماح بتمددها من دون اخمادها كليا، لكن الحل الامني وحده ليس كافيا ما لم تصاحبها معالجات اجتماعية وقانونية، تحسم تلك النزاعات وتصالح بين المتخاصمين وأن يغلق ملف الثأر والقتل المتبادل على أساس الهوية العشائرية، الذي يعكر صفو الأمن في القرى والمناطق المتأثرة بهذه النزاعات، ضمن منظومة متكاملة اعلامية وأمنية وسياسية واجتماعية ودينية تتحرك ضمن منهاج عمل موحد ومنسق لإطفاء تلك النزاعات، ووضع حد لها وأن تكتب نهاية واضحة لدورة العنف، التي لا تزال تدور ومنذ عقود .
ثقافة حمل السلاح والارتباط به لها علاقة حميمة بماضي البلاد العنيف والدموي الضارب بالعمق في تاريخها منذ فجر الحضارات، ولغاية الآن فهو لغز محير، فبقدر ما تحوي هذه الارض من تاريخ عريق من الحضارة والعلم والتحضر والثقافة يصل تاريخها إلى اكثر من 6000 سنة، إلا أنها تغلي ببراكين مخيفة من العنف، حيث الجذور العنفية التي أرستها في وقتها السلطات الحاكمة العديدة، التي تعاقبت على حكم البلاد وشعبها واتخذت من العنف منهاجا وسبيلا للسيطرة وفرض الامور بالقوة، وبالرغم من أن السكان كانوا ضحية هذا القهر والقمع السلطوي العنيف، الا أنهم تاثروا بالرغم منهم بهذا السلوك الذي انسحب على علاقاتهم الفردية وظهوره عند النزاعات والخلافات.
بعض هذا العنف الممتد إلينا حاليا ارست ورسخت جذوره السلطات البعثية الدموية الحاكمة السابقة، التي اردفت وصولها إلى السلطة بالتأسيس لظاهرة عسكرة المجتمع ونشر السلاح فيه بكثرة، من خلال التجنيد المستمر وبلا هوادة للجيوش الكارتونية، التي كان المواطنون يساقون اليها بالقوة وبعناوين متعددة مثل الجيش الشعبي وجيش النخوة ويوم القدس ومعسكرات تدريب طلبة الثانويات والجامعات، فضلا عن الجيش النظامي وحملات التجنيد القسرية، التي تدفع بآلاف المجندين اليه سنويا كوقود لحروب النظام التي لم تكن تعرف التوقف طيلة عشر سنوات كاملة، التي أهدرت فيها مرحلة تاريخية مهمة كانت ستكون عامرة بالسلم الاهلي والمجتمعي وكافية لأن تخلق فيها مساحات ممكنة لتثقيف المجتمع واشاعة قيم التعايش والرجوع إلى القانون كخيار ضامن للحقوق وللحفاظ على أمن و سلامة البلاد وشعبها، بعيدا عن ثقافات ومبادئ العنف والحروب وسفك الدماء، حيث إن مثل هذه القيم لا يمكن أن تترسخ وتتجذر في ظل أجواء الحروب المسلحة، وحيث إن عملية بناء المجتمع، بعيدا عن آثار العنف تتطلب توفر أزمنة كافية من السلام والهدوء، وهو ما كان يفتقده النظام في ذلك الوقت .
بقاء السلاح خارج سيطرة الدولة يمثل تحدياً صعبا، ويعيق عملية بناء الثقة بين المواطن ومؤسسات الأمن، بالرغم من أن الحكومة قد أطلقت مؤخرا حملة مهمة وكبيرة لتسجيل السلاح رسميا وقانونيا من أجل السيطرة على ظاهرة حمل السلاح غير القانونية، إلا
أنها لا تزال بطيئة بسبب عوامل التردد وضعف الثقة، حيث إن المواطن يرغب بحلول سحرية وعاجلة لكثير من الظواهر والمشكلات الامنية والسياسية، التي تعاني منها البلاد والتي تجعل من تقبله لفكرة التخلي عن السلاح امرا عسيرا وصعبا، رغم ان قوة الدولة من الناحية القانونية والامنية تأتي من تجاوب وتعاون الشعوب مع حكوماتها واستجابتها للمبادرات والقوانين الصادرة عنها، ولما لهذه الظاهرة من تأثير سلبي على الأمن والسلم المجتمعي، من خلال مئات الحوادث الجنائية التي تسجل كل عام، إلا أن الأمر بات بحاجة إلى حملات توعية مستمرة ومؤثرة وإجراءات قانونية صارمة ورادعة ضد حيازة السلاح غير المرخص، ومتابعة دقيقة، وإلا فإن هذا السلاح المنفلت، سيبقى ظاهرة يومية في شوارع العراق ومدنه، يهدد الأمن والاستقرار ويعطَّل أحلامنا بالوصول إلى مرحلة الأمان التام، التي ما زلنا ننتظرها منذ عقود طويلة، وبدلا من ان تبقى بنادقنا في منازلنا تمنحنا ثقة زائفة بالأمان، فعلينا ان نتركها بأيدي الاجهزة الامنية الحكومية، حيث الشعور الحقيقي بالامن والامان والاطمئنان.




