كتبت نرمين المفتي: الحرب الثقافيَّة وميزان القيم

لا بد من قراءة كتاب (الحرب الباردة الثقافية: السي آي أي وعالم الفن والادب) للباحثة فرانسيس ستونور سواندرس. الصادر سنة 1999 والذي ترجمته الى العربية الراحلة ناصرة السعدون في سنة 2000 لتشخيص ما يجري في المنطقة ومحاولة ايجاد بعض الحل.

يشير الكتاب الى فترة الحرب الباردة بين القطبين (الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي) التي تخللت حربا باردة ثقافية سارت متوازية مع الحرب الباردة السياسية التي بدأت مع تحقيقات مكارثي وانتهت بانهيار الاتحاد السوفيتي. الكتاب يشير الى الحرب الثقافية التي استهدفت شعوب العالم الغربي (اميركا- كندا وأوروبا الغربية) من خلال الفن بحقوله والادب للسيطرة على افكارهم ومن ثم توجيهها كما يريد البيت الابيض والسي آي أي.

وفي مقدمة طبعته الجديدة باللغة الانكليزية. نقرأ في مقدمة الناشر “خلال الحرب الباردة، تم التباهي بحرية التعبير على أنها أغلى ممتلكات الديمقراطية الليبرالية – ولكن هذه الحرية وضعت في خدمة أجندة خفية.

في كتاب الحرب الباردة الثقافية. كشفت فرانسيس ستونور سوندرز عن الجهود غير العادية لحملة سرية كان فيها بعض من دعاة الحرية الفكرية الأكثر صخباً. في الغرب يعملون لصالح وكالة المخابرات المركزية أو يدعمونها.سواء كانوا يعرفون ذلك أم لا. ووصفت صحيفة النيويورك تايمز الكتاب بأنه {أشمل حساب حتى الآن لأنشطة [وكالة المخابرات المركزية] بين عامي 1947 و1967}.

ويقدم الكتاب أدلة مروعة على برنامج وكالة المخابرات المركزية السري للتدخلات الثقافية في أوروبا الغربية وفي الداخل. إذ يجمع بين الوثائق التي رفعت عنها السرية والوثائق الحصرية ومقابلات لفضح الحملة المذهلة لوكالة المخابرات المركزية. والتي استخدمت هانا أرندت وإشعياء برلين وليونارد بيرنشتاين وروبرت لويل وجورج أورويل وجاكسون بولوك كأسلحة في الحرب الباردة”.

الذي سيقرأ الكتاب الذي ترجم الى عشر لغات. سيجد ان حربا ثقافية مماثلة موجهة الى منطقتنا ولكن بوسائل حديثة وأقوى في السيطرة على الفكر وتوجيهه وهي الفضائيات. هناك فضائيات مبرمجة لتنفيذ الحرب الثقافية ومنها الخاصة بالكليبات التي تستخف بعقول الشباب. وتحولهم الى عيون نهمة تنتظر جسدا يشبه جسد هذه الفنانة او تلك التي تقوم بجسدها المثير بحركات موحية ومثيرة. ومجلات اونلاين او ورقية تنشر اخبار فناني وفنانات الكليبات والاموال الهائلة التي يحصلون عليها في سنة واحدة. فضائيات ومجلات اختصرت كل الأحلام بحلم واحد أن يكون الشاب/ الشابة مطربا. وقطعا تشاهدون عشرات الالاف من الشباب والشابات الذين يقفون بالايام للاختبار كلما اعلنت فضائية ما لبرامج منافسات لاختيار نجم جديد. قطعا نحتاج الى الفن. الغناء والموسيقى والسينما والمسرح والاستعراض والباليه والتلفزيون. لكن الفن الذي يحتفظ بقيم الجمال ويدفع الى الحلم بغدٍ أجمل وليس الحلم بجسد مثير فقط.

وفضائيات أخرى تستهدف العقول مستخدمة الدين – اي دين. وتبث برامج تستهدف الشباب وتدفعهم الى التطرف وأن يعادي اصحاب هذا الدين اصحاب الدين الاخر. او يكون اصحاب هذا المذهب من دين واحد ضد اصحاب المذهب الآخر من الدين نفسه.  تأثير هذه الحرب واضحة في الدول التي فقد ميزان قيمها بوصلته وهبط فيها الوعي الى الصفر او دونه.

إذن، بدل أن تدمع العين حين سماع هذا النشيد القديم او تلك الاغنية. لا بد من عمل يعيد الوعي الذي سيقوم بدوره بتعديل ميزان القيم ويعيد الى جميع مجالات الحياة ألقها وجمالها ويعيد الى الطبقة المتوسطة دورها.
لا بدَّ من التفكير الجاد الكفيل بالبدء بعصر ذهبي جديد، عصر لا فضل به على قومية غالبة في نفوسها على أخرى، ولا لطائفة على أخرى، عصر بلا شعارات خاوية تقوم بمهام ملهية الرعيان.

 

 

لتصلك آخر الأخبار تابعنا على قناتنا على تلغرام: العراق أولاً

لمتابعتنا على فيسبوك يرجى الضغط على الرابط التالي: “العراق أولاً

زر الذهاب إلى الأعلى