أخر الأخبار

مئة يوم من الذبح والمجتمع الدولي يشعر «بالقلق»

كتب رعد أطياف.. كلما حاولنا أن نحسن الظن بهذه الأسرة الدولية، تصدمنا بلاغة الواقع وتوقعنا في هوة سحيقة من خيبة الأمل. وبمرور الأيام يتضح جلياً أن المركز والهامش حقيقية تاريخية وليست تصنيفات تجريدية.

يتضح بما لا يقبل الشك أن الفرد الأوروبي والأمريكي أكثر ندرةً وأهمية بالمقارنة مع الشعوب الناطقة بالعربية بالتحديد. حتى لو سقط ثلاثة وعشرون ألفاً، بإبادة جماعية واضحة الدوافع، تدعمها الهذيانات والتصريحات الصهيونية، التي توثق النوايا الوحشية لهذا الفعل الأثيم، فما زال القادة الأوروبيون والأمريكيون يفكرون ملياً بالطريقة التي يوقفون بها هذه المذبحة.

الإعلام الأمريكي يقول إن بايدن قد ضاق ذرعاً بنتنياهو، والأوربيون ينظرون بـ”قلق” وروح”إنسانية” لما يحدث، والمواطن الإسرائيلي يميل إلى الكفة المعارضة لسياسات نتنياهو والرغبة باستقالته. ليس لأن هناك آلاف الأطفال والنساء والشيوخ قد تسبب بقتلهم، وإنما حرصاً على أمن إسرائيل. ولا نستغرب ربما سيصدر قرار بعزل هذا اليميني المتطرف عن رئاسة الوزراء، لكن بعد ماذا؟ بعد أن يتمم مهمته على أحسن وجه.

ما زالت الإبادة الجماعية مستمرة، والعالم “المتحضر”، “المدني”، العالم “الأول”، مشرّع “حقوق الإنسان” مهموما بقضاياه الداخلية، وما زالت الأنظمة السياسية العربية تواصل أنشطتها المعهودة، من التنديد، والوساطات، والاقتراحات، وإرسال المساعدات، والتعبير عن الاستياء لما يحدث.

وبينما يهرع بعض الناشطين في هذه المنطقة للتباكي على تفجير هنا وهناك، أو فعل إرهابي مدان في العالم الغربي، يتوقف هذا النحيب والقلق الإنساني لو حدث في منطقتنا بحجة “الإسلام السياسي”. على سبيل المثال: ثلاثة وعشرون ألفاً، والعداد لن يتوقف، من البشر ماتوا بفعل الإرهاب الصهيوني، لكن بعض المتأنقين وجدوا الإجابة التالية: بما أن حماس هي من بدأت المعركة فسنكبح عواطفنا الإنسانية وندّخرها لموقف ومناسبة نقية خالية من إسلام سياسي، ومن ثم نتوسع أكثر بالتعاطف مع الضحايا.

والكثير من هذه التبريرات المخجلة تتناسى هذا الطوق العنصري الذي سُلّطَ على رقاب الفسطينيين، والمعاملة الحقيرة التي يكبدونها يومياً من سلطات الاحتلال، ومئات الأبرياء الذين ملؤوا السجون، والتنازلات المستمرة من قبل النخب الفلسطينية، التي أطّرتها رسمياً اتفاقية أوسلوا، وقبل الفسلطينيون بهذا القليل، وهم يرون زحف المستوطنات على ما تبقى لهم من ديار.

القضية ليست قضية دينية، ولا هي قضية حماس، أو سلطة فلسطينية واهنة في الضفة الغربية تُملى عليها الشروط؛ القضية أمن قومي عربي، معضلة جيوستراتيجية، وقد جرّبت السلطة الفلسطينية آنذاك ، بقيادة ياسر عرفات، وبرعاية أمريكية، حل ما يسمّى “الدولتين”، وإرساء سلام شامل ومستدام بين الطرفين، وتبين لاحقاً أنه لا يوجد طرفان في المعادلة وإنما طرف واحد يملي الشروط ويؤسس لزحف استيطاني جديد.

أما فكرة “حل الدولتين” فهي كوميديا سوداء، كانت لتمضية الوقت، والظفر باعتراف وإمضاء فلسطيني رسمي على كل الخيبات اللاحقة. أيا ما يكن الأمر، ومهما كان عدد الخيبات المتوالية، وبصرف النظر عن كل ماحدث، هل ثمة حلول سياسية حقيقية تضع حداً لهذه المعضلة الجيوسياسية؟ لا توجد حلول لإنهاء هذه المستعمرة الأمريكية! ما يوجد مشاعر لقلق عالمي مزيف، وجلسات أممية طارئة، وإدانات بروتوكولية خجولة، ووحشية صهيونية واضحة تجاه شعب أعزل.

فما نوعية هذا السلام الذي يحلم به بعض الحالمين؟ وما هي الطريقة العملية التي يمكنها وقف الحد الأدنى من هذا الاحتلال المستمر؟ وهل استطاعت كل هذه الظواهر الصوتية أن تعثر لنا على حل يوقف الاستطيان على الأقل؟ هل ثمة أمل أن يرجع المعتقلون الذين تضج بهم سجون الاحتلال إلى بيوتهم آمنين؟ لا يوجد جواب سوى مجتمع دولي “يشعر بالقلق” في كل مرة يُذبح فيها الفلسطينيون، و”نقّاد” يمعنون باللوم على الضحية.

 

زر الذهاب إلى الأعلى