دراسة توضح طريقة تعامل دماغ الإنسان مع المداخلات البصرية المكثفة

 

لطالما مثّل الدماغ البشري سراً حيّر العلماء طويلاً، حيث يتميز دماغ الإنسان بقدرات هائلة حتى اللحظة الدراسات تكتشفها، ومؤخراً بحثت دراسة حول طريقة تعامله مع المداخلات البصرية المكثفة التي نتعرض لها يومياً.

 

حيث ترصد عين الإنسان باستمرار مداخلات بصرية ومعلومات متلاحقة مرئية غير المنتهية، التي تتضمن ملايين الأشكال والألوان والحركات المتغيرة والسريعة من حولنا، بالإضافة إلى التغيرات التي تطرأ على العالم بسبب تغير شدة الضوء وحركته.

وتتسبب هذه الحالة بحدوث تغير دائم في العالم المرئي من حولنا، الناتجة عن الكمية الهائلة من البيانات، وتغيير مدخلاتنا البصرية بشكل مستمر بسبب الوميض المستمر وحركة رأسنا وأعيننا المستمرة أيضا.

وتتسبب هذه الحالة بما يمكن تسميته بـ”الضجيج” الكبير الذي ربما لا نشعر به، والذي يحدث نتيجة الكم الهائل من المدخلات البصرية الجديدة التي تدخل العين، على سبيل المثال يمكن رصد هذا الضجيج إذا قمت بوضع الهاتف أمام عينيك وبتسجيل فيديو مباشر لحركة العين أثناء تصفح الهاتف، حيث ستشاهد حركة فوضوية كبيرة ومستمرة في العين، الأمر الذي يتعامل معه دماغ الإنسان باستمرار.

 

دماغ “آلة الزمن” تعيش قبل 15 ثانية في الماضي

وبحسب البحث الجديد الذي ركز على دراسة طريقة تعامل دماغ الإنسان مع هذا الكم الكبير من التشويش، والمنشور في مجلة “The Conversation” العلمية، رصد الباحثون قيام الدماغ بإنشاء ما يشبه “آلة الزمن” التي يقوم من خلالها بجمع هذه المدخلات الجديدة بشكل فوري ودمجها بالقديمة التي تم رصدها خلال 15 ثانية، من أجل إنشاء بيئة مستقرة يشعر بها الإنسان.

 

وبحسب العلماء، يقوم دماغ الإنسان بجمع المشاهد القديمة والمتشابهة، ودمجها معا لتأمين بيئة نظر مستقرة، أي أن دماغنا قد يجعلنا نعيش في الماضي لتأمين إمكانية الحصول على هذا الاستقرار وعدم رصد الملاحظات الطفيفة جدا التي تحدث خلال الثانية الواحدة في العين وبسرعة كبيرة جدا.

“يشبه الدماغ آلة الزمن التي تستمر في إعادتنا بالزمن إلى الوراء، إنه يشبه التطبيق الذي يدمج مدخلاتنا المرئية كل 15 ثانية في انطباع واحد حتى نتمكن من التعامل مع الحياة اليومية”.

 

ونوه العلماء إلى أنه في حال كانت أدمغتنا ترصد دائما الأحداث في الوقت الفعلي، فسيشعر الإنسان وكأن العالم عبارة عن مكان فوضوي مع تقلبات مستمرة في الضوء والظل والحركة، أي أننا سنشعر بنفس شعور الإنسان بحالة “الهلوسة”.

لاختبار هذا الوهم، قام الباحثون بتجنيد مئات المشاركين وطلبوا منهم منهم مشاهدة لقطات مقرّبة لوجوه تتحوّل زمنيا في العمر في مقاطع فيديو بفاصل زمني مدته 30 ثانية.

 

وعندما طلب منهم الإفصاح عن عمر الوجه في نهاية الفيديو، أبلغ المشاركون بشكل متسق تقريبًا عن عمر الوجه الذي تم تقديمه قبل 15 ثانية من نهاية الفيديو.

“أثناء مشاهدتنا للفيديو، ننحاز باستمرار إلى الماضي ولذا فإن الدماغ يرسلنا باستمرار إلى الثواني العشر إلى الخمس عشرة السابقة، حيث كان الوجه أصغر سنا”.

 

من نتائج الدراسة

وبدلاً من رؤية أحدث صورة أو مشهد في الوقت الفعلي، يرى البشر في الواقع المشاهد السابقة لأن وقت تحديث دماغنا يبلغ حوالي 15 ثانية، حيث يساعد هذا الوهم البصري في استقرار عملية الإدراك.

 

الدماغ “يماطل” في العمل من أجل “التوفير”

نوه الخبراء إلى أن ما يفعله الدماغ هو “المماطلة”، لأن التعامل باستمرار مع كل لقطة يتلقاها يتطلب الكثير من الجهد، “لذلك يتمسك الدماغ بالماضي لأن الماضي هو مؤشر جيد على الحاضر”.

 

أي أن الدماغ يقوم بإعادة تدوير المعلومات من الماضي لأنها أكثر كفاءة وأسرع وتحتاج لعمل أقل، وتُعرف هذه الفكرة، المدعومة أيضًا بنتائج دراسات أخرى، للآليات داخل الدماغ التي تعمل باستمرار على تجهيز إدراكنا البصري تجاه تجربتنا البصرية السابقة باسم مجالات الاستمرارية.، بحسب المقال المنشور في مجلة “sciencealert” العلمية

ويضحي نظامنا البصري أحيانا بالدقة من أجل تجربة بصرية سلسة للعالم من حولنا، وهذا يمكن أن يفسر لماذا، على سبيل المثال، عند مشاهدة فيلم لا نلاحظ تغييرات طفيفة تحدث بمرور الوقت، مثل الفرق بين الممثلين والأحداث المثيرة.

“تباطؤ نظامنا البصري في التحديث يمكن أن يجعلنا بحالة من العمى عن التغييرات الفورية لأنه يمسك بانطباعنا الأول ويدفعنا نحو الماضي”.

 

وعلى الرغم من هذه النتائج، تمنح هذه القدرة لدى الدماغ الإنسان عالما مستقرا، لكن الخبراء حذروا من ضرورة التذكر “أن الأحكام التي نتخذها كل يوم لا تستند بالكامل إلى الحاضر، ولكنها تعتمد بشدة على ما رأيناه في الماضي، وهو أمر قد يؤثر على بعض المجالات الحساسة في الحياة والتي تتطلب الدقة الكاملة.

زر الذهاب إلى الأعلى